أدبي

ماريَّا

وقت النشر : 2022/04/26 07:38:35 PM

ماريَّا
بقلم: أسماء أحمد

ماريا، لم تكن فتاة رائعة الجمال فحسب،

بل هي فتاة محاربة، لها من الجمال بينن

والسحر ما من أجله يركع ملوك العرب،

رقيقة، قوية وصارمة في نفس الوقت.

سقطت ماريا أسيرة بقبضة المسلمين

أثناء حرب الأرك، أخذها الحراس مع

أخريات إلى داخل المعسكر، ولم تكن

لتقبل هذا الوضع أبدا، فلم تتنازل عن

هيبتها وكبريائها، ولم تنس أنها أميرة بنت

ملك، فكانت منطوية، حزينة، متمردة لا

يمكن ترويضها، لا تشارك من معها

طعاما ولا شرابا بل تزهده أحيانا.بينما

اقتربت منها “عاليا” – أسيرة أخرى-

تسألها عن سبب انعزالها وحالتها، فردت

عليها بأنها أميرة بنت ملك، وذلك وضع لا

يليق بها أبدا، ثم نادت بانفعال:بينما

– أيها الحراس، عودوا بي من حيث

أسرتوني، عودوا بي إلى مملكتي وأبي،

كيف لأميرة فارسة مثلي أن تعيش بهذا

المكان؟بينما

سمع صوتها الحراس، فدخل أحدهم إليها

وقال بصوت جهوري:بينما

– ما بك يا امرأة ترفعين صوتك هكذا،

فلتصمتي وإلا قتلتك.بينما

ازدادت غيظا وانفعالا لما قال، ثم بينما

التقطت سيفه من ملبسه وصوبته تجاه

عنقه وقالت:بينما

– ألا تعلم من تُحدِّث؟

أنا الأميرة ماريا، الفارسة الشجاعة، ولن

يبقى الوضع هكذا طويلا، وقريبا سيأتي

أبي وتكون الحرب، وستدفعون أرواحكم

جراء ما فعلتموه بي. ثم

حينها دخل الفارس المغوار “شهاب

الدين” واستمع لما قالت، ونظر إليها نظرة

المعجب المنبهر بشجاعتها وقوتها، إنها

فارسة حقا بل وجميلة أيضا، إنه لم ير

مثل جمالها قط، ولكنه وبسرعه أخفى

إعجابه بها، وسل سيفه، ووضعه على

سيفها قائلا بشجاعة الفارس: بينما

– اتركي السيف وإلا قطعت رأسك

وأرسلتها إلى أبيك.

نظرت إليه بتعجب وقالت:

– ومن أنت حتى تأمرني بأن أترك

السيف؟ لسوف أُنهي حياتكما الآن.

ضحك بسخرية ثم ضغط بقوة على

سيفها قريبا من يدها فسقط على الأرض

ثم قال:

-أعرفتي من أنا؟

أنا الفارس شهاب الدين الذي يقهر

الجيوش، وينتصر دوما بلا خسائر ولا

يعرف للهزيمة عنوانا.

 

إنه حقا شاب فارس، قوي البنيان، حسن

الخِلقة، أعجبت به، وعلى غير إرادتها

خفق قلبها بشدة، نسيَت من تكون ومن

يكون، وتذكرت فقط أنها شعرت بخفقان

قلبها وبشعور جعلها تتصور وكأنها طائر

بجناحات يطير في سماء المعسكر.

هدأت ثورتها، وفرحت بنبض قلبها،

وأحبت وجودها بالقرب منه، وتبدل

حالها، فما عادت تشعر بالراحة

والطمأنينة إلا بوجوده ورؤيته بالقرب،

إنها لم تقع أسيرة الحرب بل أصبحت

أسيرة قلبه.

بدأ اهتمامها به جليا واضحا، تراقبه بين

الحين والآخر؛ حين انتقاله داخل

المعسكر يتفقد حال جنوده ولقائه بهم،

وتفقده لأحوال الأسرى.

 

وفي يوم، التقت عيناهما، ونفذ سهم

العشق إلى قلبه ثم رده إليها واخترق قلبها

هو الآخر، شعر بها، وحبها، ونظراتها إليه،

ولقد علمت ما ألَّم به هو الآخر وان لم

يتحدث، ولكن حال عينيه يقول: لقد

خطفتِ قلبي أيتها الأميرة!

 

وفي الصباح الباكر جاءتها “عاليا” تعرِض

عليها خطة للهروب بمساعدة “علي” ذلك

الحارس الذي اتفقت معه على

مساعدتهما.

وفي الوقت الذي فرحت بذلك، تذكرت

“شهاب الدين” وكيف ستتركه بعد أن

تعلق قلبها به، كيف ستهرب ولا تراه مرة

أخرى، لقد أخذ قلبها معه، فكيف ستعيش

بدونه؟

اتفقتا على الهرب، وسينتظرهما الحارس

بالخارج بعد أن ينام الجميع، وفي الوقت

المحدد وبدون أن يشعر بهما أحد وصلتا

إلى خارج المعسكر، وأثناء ذلك وفجأة

ظهر” شهاب الدين” أمامهما قائلا بغضب:

– أين ستذهبان، أتظنان أنكما تستطيعان

الهرب مني؟! وأنت أيها الحارس ستنال

عقابك عاجلا.

ولما رأته ماريا أخذت تركض على قدميها

محاولة الهرب منه، ولكنه لحق بها وحملها

إلى داخل المعسكر ثم وضعها بخيمة

وحدها يحرسها ثلاثة من الخارج.

ارتعدت وارتعش جسدها وقد أنهكها

التعب جراء ما حدث، ولكنه همس بأذنها

وبصوت دافئ حانٍ فقال:

– ستبقين هنا، ولن أتركك تغيبين عني

أبدا، واطمئني

قالت والخوف يتملكها:

-ولكني أريد أن أعود، اتركني أذهب،

سيأتي أبي بجيش كبير ويخلصني منك،

ووقتها سأفقدك إلى الأبد

قال وهو يقترب منها ويدقق النظر إلى

عينيها:

– أتخافين علي؟

ردت

– نعم و…

وبحياء نظرت إلى الأسفل ولم تكمل

رفع رأسها إلى أعلى ثم قال:

– أحبك، ثم رأى دمعات ذرفت من عينيها

كاللؤلؤ على وجنتيها بعد أن دار بمخيلتها

ما سيحدث لو أتى والدها، فلابد وأنها

ستكون معركة كبيرة، ويا ويل قلبها لو

خسرتهما معا!

بكت أمامه كثيرا، فضعف قلبه ولم

يحتمل رؤيتها كذلك، وضع رأسها على

صدره، وربت على كتفها وقال: أشعر بك.

ثم تركها وغادر

 

ذات صلة

يريد أن يجلس معها، أن يحكي لها، أن

يضمها لصدره فيشعرها بالأمان، فمنذ

رآها أول مرة وقد أحس بأنها بضعة منه،

كيف حدث له ذلك وهو الفارس المغوار

الذي قابل الكثير من الجميلات ولم تهزمه

امرأة؟ بل هزمته الفارسة”الأميرة”

 

وفي صباح اليوم التالي استأذنها في

الخروج سويا، حدثته عن مملكتها وأبيها،

أخبرها هو الآخر عن انتصاراته وحروبه،

ثم قالت له حدثني عن الإسلام، إنني أرى

الجنود المسلمين يقاتلون في الحروب

باستماتة شديدة، مقدمين، لا يتراجعون

أبدا، يتهافتون على القتال كما تتهافت

الفراشات على النار.

أوضح لها بأنه الجهاد، وإنها لغاية لكل

مسلم أن يموت شهيدا في سبيل الله.

كانت تسأل ويجيب، حتى اقترب قرص

الشمس على المغيب، ولابد أن يعودا إلى

المعسكر .

تعددت اللقاءات بينهما، وفي إحداها

طلبت منه اعتناق الإسلام، لم يصدق ما

قالت حتى رددتها أمامه وقلبها يرقص

فرحا.

وبعد فترة أخبرها أنه سيغيب عن

المعسكر مدة طويلة فلديه مهمة لابد وأن

تتم على وجه السرعة.

قضت أياما صعبة بل شهورا تنتظره، يمر

اليوم بعد اليوم ولا يأتي، حتى أُشيع أنه

قد قتل، فاعتصر قلبها ألما، وانطوت

بخيمتها التي أعدها لها وأخذت تبكي

حزنا على فراقه.

 

نامت والدموع على خديها، وإذا به يدخل

خيمتها، اقترب منها يمسح دموعها،

فتحت عينيها وجدته هو، فزعت لرؤيته

ثم احتضنته قائلة: أنت حي، الحمد لله

لقد أعلنوا..

ثم أكمل بحزن:

– وفاتي، الحمد لله، فما دمت بجواري

سأحيا بك ولك، ولن يصيبني الضر طالما

قلبك معي أيتها الفارسة الأميرة يحيني

ويعطيني الأمل في الحياة.

 

وأثناء ذلك سُمعت أصوات عالية من

داخل المعسكر، ذهب ليتفقد الأمر، قابله

الحارس وقال له بفزع:

– أيها الأمير، لقد تقدم والد الأميرة

الأسيرة بجيش كبير، وهو على مقربة منا

رد عليهم بصوت جلل:

– أيها الجنود، فلتجهزوا خيلكم

وسيوفكم، إنها الحرب.

خرجت ماريا من خيمتها تنادي باسمه

راكضة وراءه، التفت إليها ثم قال:

-ماذا تريدين؟

قالت والدموع تنهمر على خديها:

– أبي، ستقتل أبي يا “شهاب الدين” عِدني

ألا تقتله.

قال لها بحزن: إنها الحرب، ولتبقي هنا

داخل خيمتك لا تخرجي منها أبدا. ثم

تركها استعدادا لملاقاة أبيها وجيشه.

دخلت خيمتها، وارتدت ملابس الفرسان،

امتطت جوادا قويا واستعدت للحاق بهم،

ولكن مع من ستحارب، حبيبها أم أبوها؟!

فلتذهب ولتر ماذا سيفعل بها القدر؟

اشتدت الحرب بين المقاتلين، ووقعت

خسائر بين الجيشين في الأرواح، ولكنها

أخيرا كانت لصالح الفارس شهاب الدين،

حتى اقتربت اللحظة الحاسمة؛ لقاء أبيها

بالفارس الهمام، تدخلت لتوقف القتال

بينهما، وحينما رآها شهاب الدين صرخ

في وجهها وقال:

– اخرجي من المعركة، اخرجي، إني أحبك

أتفهمين، أحبك!

ردت وهي تقاوم الضربات التي تأتيها من

كل اتجاه محاولة حماية أبيها:

-وأنا أحبك، ولكنه أبي، وأنا الفارسة

الأميرة التي لا تهزم أيضا، وسأدافع عن

أبي ولآخر قطرة من دمي ثم تلقت ضربة

سيف قوية من الخلف فسقطت من على

جوادها إلى الأرض، حينها أمر الفارس

بوقف القتال، ثم نزل من على جواده

الأسود وجلس بجوارها وقال لها والألم

يعتصر به:

– قلت لك اخرجي لماذا لم تفعلي ذلك؟

قالت وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة:

– لا عليك، ولا تحزن؛ فهذا واجبي، ولم

أكن لأترك موقعي هذا أبدا وأتخلى عن

أبي، ولكنني أريد أن أعترف لك بأنني

مدينة لك ولكرمك وجودك، ومن قبلهما

لقلبك الذي وهبتني إياه، لقد شعرت الحب

وعرفته معك، ويكفيني بأنك الآن آخر ما

أرى من دنياي، فوداعا لقلبي الذي هو الآن

معك.

احتضنها بين ذراعيه، ثم انهمرت دموعه

حينما سمعها تنطق الشهادة وفاضت

روحها إلى السماء.

 

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى