أخبار مصرمقالات متنوعة

الضمير

وقت النشر : 2023/03/12 01:07:49 PM

الضمير

بقلم: مهندس طلعت عبدالرحيم

إن حدود “الضمير” في الفلسفة الأخلاقية الحديثة والمعاصرة لا تقف عند حد “الإدراك”، و”التفرقة” و”الاستحسان”؛ بل هو مع ذلك كله أو فوق ذلك كله مصدر أعلى لتوجيه الفعل الأخلاقي، وضبطه، والرقابة عليه.

وهذا هو الضمير، بما يتعارفه الناس اليوم، وبما هو مفهوم مركزي في الفلسفة الأخلاقية الحديثة، ومع ذلك ليس في النظرية الأخلاقية الإسلامية” حديث عن “الضمير” بوصفه مصدرا للاستمداد الأخلاقي، ولا بوصفه أداة مطلقة عن كل سلطة أخرى سوى سلطة “الفرد” و”الذات” لتكون بنفسها مصدر الفعل الأخلاقي للشخص، والموجِّه له، والرقيب عليه.

والشريعة الإسلامية تعتبر الضمير حاسة فطرية يرى بها الإنسان صواب الأمر من خطئه كما ترى العين الألوان، ولذلك يقول صلوات الله عليه ل”وابصة بن معبد” وقد ذهب إليه يسأله عن البر والإثم: جئت تسأل عن البر؟ قال: نعم، قال صلوات الله عليه: “البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك”.
والقرآن الكريم يشير إلى هذا الضمير في قوله تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ} سورة ق آية 16.

وهذه الوسوسة أو هذا الصوت الخفي هو صوت الضمير الذي نسمعه كل يوم يناجي عقلك ويصرفك عن الشر.
ولقد نشأ هذا المفهوم للضمير أو اختُرع هذا الأساس المصدري الباطن والغائم أيضا في أوروبا في “العصر الوسيط” وكان أهم أداة أو مفهوم في سبيل “عَلْمَنة” الفكر الأخلاقي والبعد به عن سلطان الدين؛ فبدلا من أن يكون مصدر “الأمر” و”الإلزام” هو الوحي، والشرع الإلهي، والكتب المقدسة، وبدلا من أن يكون المدار في إدراك “حسن” الفعل الأخلاقي و”خيريته” على الوحي والشرع انتزعت هذه المرجعية في إطار التخلص من سلطة الدين -كل الدين- وفوضت إلى ذلك “المفهوم” الذاتي الفردي.

فالضمير في الفكر الأخلاقي المعاصر -العلماني- هو سلطة أخلاقية معادلة لسلطة الوحي والشرع و”الإله” نفسه.
إن الإيمان برب العالمين هو الذي يهدي العبد إلى تفاصيل الخير والشر ويقوي إرادته لعمل الخير وترك الشر ويصبره على ذلك.
ولذلك كثر في النصوص الشرعية ربط أعمال العبد بالإيمان وترك المعصية أيضًا بالإيمان.

إنما الشيء الحقيقي بداخلنا يمنعنا من المعاصي ويهدينا إلى البر ويقوي إرادتنا للخير وامتناعنا من الشر ويهدينا إلى تفاصيل ذلك كله لهو “الإيمان” برب العالمين، الإيمان بقيوميته سبحانه وقيامه على كل نفس بما كسبت، ورقابته للعبد، وسمعه له، وبصره به، وإحاطته بالخلق علما، وخبرة، وسمعا، وبصرا، وقدرة.

وقال تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} سورة يونس آية61.
وهنا يوجد أمر عظيم وراء ذلك وهو نقاء الفطرة التي فطر الله عباده عليها؛ فإن الله تعالى فطر عباده على توحيده، والإيمان به، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
” النفسُ إِنَّما تنالُ كمالَها بسعادَتِها ونَجَاتِها بالفِطْرةِ المُكَمَّلَة، بالشِّرْعَةِ المُنَزَّلََة “

زر الذهاب إلى الأعلى