أدبيمقالات متنوعة

جسد مُختَرق

وقت النشر : 2024/02/08 10:37:22 PM

جسد مُختَرق
بقلم: هدى مصطفى حسين

جمعتهم نفس الفكرة في التخلص من الفراغ القاتل، الذي يعيد ذكرى قد مضت لكنها عالقة في عالم الأرواح، مختفية في مكان شديد الظلام، عندما تظهر يشيب الرأس اشتياقًا وخوفًا، لم يستسلموا لماضٍ ولّى، وسرقَ ابتسامتَهم، وترك قناعَه المُزيف الذي يرتديه في المناسبات السعيدة.

ظلوا يتنقلون من احتفالية إلى أخرى لم يتركوا الدقائق تنبش في ماضيهم بلا رحمة، كانت احتفالية على غير العادة صاخبة إلى حدٍ كبير، جمعت من الرفاق الكثيرين بما فيهم من يُحي في النفس الأسى والألم.

خرج كلاهما باحثًا عما يشغل باله ويلهي عقله، ويُدخل البهجة على الروح، خرجا إلى الحديقة الخلفية، استهوت قلبها رائحة الزهور وأشكالها المختلفة، وبين الزهرات وجدت هذه الزهرة البيضاء الشاحبة اللون؛ بدت لها حزينة، أخذت تحدثها عن نفسها وأخرجت من حقيبتها السوداء كتابًا مغلفًا بالجلد الأحمر الزاهي اللون، وبدأت تقرأ بصوتها الحنون العامر بالأمل والتفاؤل، كانت تقرأ على ضوء مصباح يبعث لها شعاعه ليزداد تفاؤلها، نظر لها بنظراته الثاقبة يتأمل تفاصيلها، شعرها الأشقر يتطاير مع حروف كلماتها الغير مسموعة، يحدث نفسه يالها من فتاة بريئة كما الأطفال، هل مازال هذا النوع من النساء موجودًا أم تتصنع البراءة ؟

لكنها لا تراني كي تتصنع، ظل يراقبها عن بعد، اقترب منها قاب قوسين أو أدنى كي ينصت إلى حديثها، لكنها كانت في مكان آخر داخل قصتها تعيش الأحداث، سمع صوتها الرقيق وهي تحكي للزهرة البيضاء الشاحبة، قصة روميو وجوليت، بدا على مظهر قصتها أنها قد قُرأت مرات عديدة أوراق متهالكة، ظلت تقرأ وتستمتع، لربما تدخل في أحداث قصتها وتكون بطلتها، أو يخرج روميو من مضمونها، ويحملها على ظهر حصان أبيض يطير بهما أعلى جبل الماس، في جزيرة الكروان حيث يمتزج صوت الكروان بأصوات الطيور المهاجرة، فتعزف سمفونية متناغمة مع حركة غصون الأشجار العالية، فتجتمع الفراشات لترقص فوق الزهور المتمايلة يمينًا ويسارًا، فجأة توقفت موسيقى الحفل الصاخبة وازدادت شدة الإضاءة، فظهر ظله أمامها كأنه يخترق جسدها، انتفضت زعرًا، أمسك بيدها ليُشعرها بالأمان، لكنها سحبت يدها، واختفت في الزحام كسراب، لا أثر لها سوى قصتها التي قد وقعت منها أثناء هروبها، وبقيَ الظل.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى