أدبي

دهاء

وقت النشر : 2022/04/16 10:25:18 AM

دهاء
بقلم: أسماء أحمد

 

في العاشرة مساء، وعلى أنغام الموسيقى

الهادئة كانت منى ترقص كالفراشة في

بيتها، الفرحة والسعادة تغمرها، جميلة

هي بروحها وملامحها الرقيقة، لها إطلالة

ساحرة تخطف الناظرين إليها، لمساتها

الجميلة التي تظهر في كل ركن من بيتها.

جاءها منذ قليل خبر عودة زوجها قريبا

من سفره بعد غياب طال خمس سنوات

حيث قرر أخيرا الاستقرار في وطنه، إنه

أول رجل يدق إليه قلبها، سكنه واطمأنت

له، طوقها بالكثير من الحب والعشق.

تذكرت يوم أن كانت بمكتبة الجامعة تعد

للبحث المطلوب منها كمشروع للتخرج في

كلية الهندسة، رفعت عينيها السوداوين

فوجدته ينظر إليها نظرة المعجب المتيم،

شاب عشريني، طويل القامة، يعلو رأسه

شعر كثيف ناعم ، توردت وجنتاها خجلا،

وتلعثمت الكلمات في فمها، فلم تستطع

الرد، وهربت من أمامه حينما بادر وسألها

عن اسمها.

حينما التقت عيناهما، شعر كل منهما

بالانجذاب للآخر، لا تعلم سببا لذلك،

ولكنها أدركت أنه الحب الذي قرأت عنه

وأخيرا مر بقلبها واستقر.

أُجريت مراسم الزفاف، أطلت على الجميع

بحسنها وجمالها الأخاذ، فكانت كالبدر

وسط السماء.

مرت الأيام بهما في سعادة ثم أخبرها

عمر برغبته في السفر، تألمت لذلك؛ فهي

لا تستطيع العيش بدونه، من لها غيره،

تنعم بوده وتهنأ بالحياة معه، توفي

والداها وهي صغيرة، فقامت برعايتها

جدتها.

توسلت إليه ألا يسافر، ولكنه طمأنها بأنها

فرصة لا تعوض للارتقاء بحياتهما معا،

فوافقت على مضض على أمل أن تلحق

به بعد أن يستقر وضعه.

مرت شهور على أمل أن يطلب منها أن

تلحقه، فلم يفعل، ولم يعطها إجابات

شافية لتأجيله سفرها إليه.

يقتصر على زيارتها شهرا كل عام، وكثيرا

ما طلبت منه أصحابها، ولكنه أقنعها أن

وجوده وحيدا يتحمل عناء بعدها عنه

وعمله من أجل أن يجمع الكثير من المال

وبذلك تقل سنوات السفر حتى يحققا ما

يحلما به من بيت جديد وحياة مستقرة.

كانت تجاهد نفسها أثناء غيابه، تتحمل

العيش وحيدة، تشغل حياتها بزيارة

أصدقائه، وأيضا أبويه، تمد لهما يد

العون، فترى في نفسها ابنتهما التي

تعوضهما عن غيابه.

وأخيرا، جاء اليوم الذي كانت تنتظره،

فلقد قضى خمس سنوات في الغربة،

مرت عليها ثقيلة، مُرة كالعلقم، يوما بعد

يوم تحلم بعودته، تنتظره، وما زال قلبها

ينبض بحبه، تنتظره ليعوضها ما مضى

من شعور الوحشة والتيه ببعدها عنه،

أخفت عنه احتياجها إليه، الأمان الذي

فقدته منذ سفره، كيف كانت تعاني حينما

كان يطلب منها مباشرة بعض الأعمال؛

فقد استطاع خلال السنوات الخمس هذه

أن يمتلك بيتا جديدا، وساهم في شركة

هندسية كبرى.

تعمل بلا كلل ولا ملل، حتى أنها تعلمت

فنون الإدارة كي تستطيع أن تدير أعمال

زوجها في تلك الشركة، بالإضافة

لدراستها في مجال الهندسة، كم تعبت،

وكم واصلت الليل بالنهار! والآن، جاء

الوقت لتستريح، جاء اليوم الذي ستجني

فيه ثمار جهدها وتعبها، سيأتي حبيبها من

بعد غياب، ولا عودة للسفر.

ارتدت أحلى الثياب، ووضعت الحلى،

وتزينت كعروس ليلة عرسها، جهزت

طاولة الطعام بأشهي المأكولات التي

يحبها ، جلست تنتظره على أضواء

الشموع الخافتة.

رن جرس الباب، خفق قلبها سريعا،

أسرعت لتفتحه وإذا هو حبيبها، ابتسمت

له وتهلل وجهها فرحا وشوقا إليه،

أسرعت لتحتضنه، ولكنه تحرك خطوة

لليمين، فظهرت أمامها سيدة وبجوارهما

طفل في الثالثة من عمره.

ظهرت علامات الاستفهام على وجهها

وهي تنظر إليه ثم قالت:

– مَن؟

رد عليها مرتبكا:

– زوجتي وابني

تلعثمت، لم تجد في معجمها ردا مناسبا،

وكأنما فرت الكلمات من فوق لسانها،

سحابة من الدموع أغلقت عينيها، وكأن

غيمة من حيرة أغلقت قلبها.

لم تصدق، كيف تصدق هذا الهراء الذي

يقول، كيف تصدق أن حب عمرها قد

خانها وتزوج بدون علمها؟!

خمس سنوات يخدعها، دارت التساؤلات

في عقلها؛ كيف، ولم، ومتى؟

دلف هو وزوجته وابنه ثم جلسوا على

الأريكة.

وجهت حديثها إليه وهي واقفة أمامهم

وسألته بحرقة وألم:

– لمَ فعلت بي هذا؟ ألم يكن هذا من حقي

أنا، وابنها هذا ألم يكن أيضا؟ يا لظلمك

وجبروتك!

كيف استطعت أن تخدعني، كيف حرمتني

من أقل حقوقي في العيش بجوارك،

ورغبتي في أن أكون أما

رد عليها بهدوء:

– اسمعيني بينما

قالت وقد ارتفع صوتها وذرفت الدموع:

-اصمت ولا تتحدث، تزوجنا بعد قصة

حب، شعرت حينها أني دخلت الجنة،

ولكني كنت غبية، تساءلتُ كثيرا لمَ

يرفض سفري معه، لمَ تلك الأعذار لكن

الواهية، ألم يعُد يحبك؟ ولكنك كنت

تسحرني بحديثك المعسول، فتقول إنها

لأيام وستنقضي سريعا! بينما

خطت خطوتين للأمام ثم جلستْ على

الأريكة وقالت بيأس: لكن

-انقضت وانقضى كل شيء؛ عمري،

وأُمنيتي في طفل تعرف أني في أشد

الاحتياج إليه. طلقني بينما

اقترب منها وقال باستعطاف ولين:

– لم أخدعك، صدقيني، لقد رفضت سفرك

معي في البداية حتى أكرس وقتي و

وجهدي للعمل ثم بعد ذلك التقيت بهدى،

أحببتها ولم أخبرك خوفا على مشاعرك؛

فأنت وحيدة، ولا أقبل أن أتخلى عنك

ردت بانفعال: ثم

– لا تريد أن تتخلى عني، وتركتني وحيدة

أدير أعمالك، وأراعي والديك في غيابك،

وتتزوج غيري؟! بينما

كانت هدى تنظر إليها نظرة المنتصر في

المعركة، شعور الفوز بداخلها يعطيها ثم

الكثير من الثقة والسعادة، وعلى النقيض

ترتدي أمامها قناع الحزن، فظهر تأثرها

لحالها، واقتربت منها قائلة لها بود:

– إنه ما زال يحبك صدقيني، ونستطيع

أن نعيش كأسرة واحدة. ثم

نظرت منى إليها نظرة استنكار لما قالت،

تلك السيدة التي خطفت حب عمرها، الآن

تمثل دور المحبة لها، وتعرض عليها بينما

مشاركة زوجها عن طيب خاطر، يا لتلك

النفس الخبيثة اللعوب! ثم

استشاطت غيظا منها وقالت:

– اخرجا من هنا، وأريد ورقة طلاقي في

أقرب وقت. بينما

لم يوافقها على ذلك، ووعدها بأن يتحدث

معها في وقت آخر ثم غادر وزوجته.

أغلقت بابها، وجلست على طاولة الطعام

تتذكر حالها منذ ساعات، فيا ليت ما

حدث كان حلما وينتهي! ثم

انشغل زوجها مع أبويه وزوجته وابنه،

ترى كل يوم صورهم على وسائل و

التواصل الاجتماعي وقلبها يحترق وتزداد

ألما وحسرة، أدركت أنها قد خسرت بينما

الكثير ومرت السنون هباءً.

هاتفها وما زال ينتظر ردها في أمر لكن

الطلاق، مصممة هي على ذلك ولن تتنازل.

وعند المأذون وبعد الطلاق أعطته خطابا

ثم انصرفت، غادر إلى بيته ثم فتح بينما

الخطاب وقرأ ما به، ظهرت عليه علامات

الدهشة ثم أمسك برأسه من هول

الصدمة.

سألته زوجته ما بك؟ ثم

-قال لها وشعور الندم والحسرة يتملكه:

– فعلتها ولم أكن أتوقع، باعت ممتلكاتي

إليها بالتوكيل الذي معها!

 

ذات صلة
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى