مقالات متنوعة

تقنية الاستمطار الصناعي.. ما لها وما عليها

وقت النشر : 2022/05/08 02:35:48 PM

كتبت: أمينة حاتم

الاستسقاء كلمة مشتقة من السقي أي سقي الماء وصلاة الاستسقاء موجودة في الديانات السماوية، فهي عند المسلمين سنة مؤكدة، فعند انحباس المطر تصلي ركعتين لله -سبحانه وتعالى- مع الدعاء بسقوط المطر في حالة الجفاف، كما يصلي المسيحيون أيضاً هذه الصلاة، حيث يصليها المزارعون منهم طلباً للمطر خلال فترات الجفاف.

 

وإذا كانت صلاة الاستسقاء موجودة في الديانات السماوية، فهي موجودة أيضاً بصورة أخرى وممارسات أخرى في مناطق أخرى بأفريقيا وأوروبا والصين، بالإضافة إلى رقصات المطر التي تؤديها بعض القبائل الأمريكية الأصل.

 

إلا أنه مع ظاهرة انخفاض معدلات الأمطار وظاهرة التصحر نتيجة لانخفاض معدلات المياه، أصبح الإنسان يسعى بصورة دائمة للتدخل والسيطرة على الطقس من خلال التحكم في الطبيعة والمناخ، وإسقاط المطر من خلال تقنية عرفت باسم الاستمطار الصناعي، هذه التقنية موجودة منذ ما يزيد عن خمسة وسبعين عاماً، ويطلق عليها مصطلحات الاستمطار الصناعي أو تلقيح السحب أو بذر السحب؛ هي تقنية تعديل الطقس بشكل متعمد من خلال الإنسان، أو محاولة لتغيير كمية أو نوع أو توقيت هطول الأمطار من الغيوم من خلال نشر مواد كيميائية في الهواء تعمل كمكثف الغيوم أو كنواة جليدية، وهذه المواد الكيميائية بدورها تغير من العمليات الميكروفيزيائية للغيوم بهدف زيادة هطول الأمطار وتساقط الثلوج، أو إذابة البرد ومنع تكثف الضباب، وتتمثل المواد الكيميائية -شائعة الاستخدام- في الاستمطار في يوديد الفضة والثلج الجاف “أو ما يعرف بثنائي أكسيد الكربون” حيث يتم إضافة جزيئات هذه المواد إلى السحب الركامية المحملة بكميات كبيرة من بخار الماء، مما يتسبب في تجميع قطرات الماء حولها وزيادة فرصة هطول الأمطار من خلال تحفيز هذه المواد للسحب على تفريغ حمولتها من المياه بعد أن يزيد وزن قطرات الماء المتجمعة بالسحب فتسقط من السحب نتيجة لثقلها، وأثناء سقوطها نحو الأرض ومع ارتفاع درجة حرارة الأرض تعود هذه القطرات المجمعة إلى حالتها السائلة مرة أخرى في صورة أمطار، أما كيف يتم إضافة هذه المواد الكيميائيه للسحب، فهو يتم من خلال حقنها بواسطة الطائرات أو الصواريخ الأرضية أو المدافع المضادة للطائرات.

 

بدايات استمطار السحب

يقال بأن أولى محاولات تدخل الإنسان لإسقاط الأمطار على نحو متعمد ترجع إلى القرن السابع عشر حينما حاول نابليون بونابرت إطلاق القذائف نحو السحب لتفتيتها وإسقاط الأمطار، ومن بعده بدأ الباحثون والعلماء في إستخدام البالونات الهوائية والطائرات الورقية لإيصال متفجرات للسحب، إلا أن هذه الطريقة لم تنجح لأنها كانت تنتهي بحدوث حرائق، واستمرت محاولات العلماء في تطوير تقنية الاستمطار الصناعي باستخدام مادة يوديد الفضة لتلقيح السحب، حتى يمكننا القول بأن هذه المحاولات نجحت للمرة الأولى من أكثر من خمسة وسبعين عاماً وتحديداً عام 1945، على يد عالم الفيزياء والغلاف الجوي الأمريكي برنارد فونيجوت، وكان يهدف من وراء هذه التقنية إلى تجنب مواسم الجفاف، بينما يرى البعض بأن ” فينسينت جيه شيفر” الكيميائي وعالم الأرصاد الأمريكي هو الذي أجرى التجارب الأولى في هذا المجال عام 1946، إلا أن تقنية الاستمطار هذه لم تلق رواجاً إلا بعد قرابة عشرين عاماً وتحديداً خلال الفترة من عام 1967- 1972 حينما استخدمتها القوات الأمريكية كسلاح في حربها بفيتنام بهدف إطالة فترة نزول المطر على أحد الأقاليم القتالية لزيادة كميات الوحل والمستنقعات جراء الأمطار بالأرض الفيتنامية، والتي من شأنها إعاقة مقاتلي الجبهة الوطنية الفيتنامية عن التقدم في مواجهة القوات الأمريكية، وهي العملية العسكرية المعروفة بإسم “بوب آي”.

 

تطورت هذه التقنية حتى أن الإتحاد السوفيتي السابق استخدمها عام 1986 في أعقاب انفجار المفاعل النووي في مدينة تشرنوبل الأوكرانية، حيث تم استخدام تقنية استمطار السحب في محاولة للحيلولة دون وصول الجسيمات المشعة العالقة بالسحب إلى العاصمة الروسية موسكو، ولم تقف محاولات الاستمطار عند هذا الحد، لكن نجد أن الصين استخدمت عام 2008 الاستمطار الصناعي في دورتها الصيفية للألعاب الأولمبية حتى تتجنب تأجيل حفلي الافتتاح والختام للدورة جراء الظروف الجوية، فقامت بإطلاق 1100 صاروخ محمل بمادة يوديد الفضة لتتمكن من إسقاط الأمطار قبل وصول السحب إلى المدينة الأولمبية. ليس هذا فحسب بل قامت أيضا وتحديداً في 30 يونيو 2021 -في إطار الإستعداد للإحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني- قامت بتلقيح السحاب لتتمكن من تصفية الأجواء والسماء من أية احتمالات لسقوط أمطار أثناء الاحتفال.

 

بينما استخدمت الهند هذه التقنية لإنقاذ البلاد من الجفاف، وقد تفوقت بالفعل في استخدام تقنية استمطار السحب لري المناطق القاحلة التي تعرضت لفترات جفاف ما بين عامي 1983 و 1994، وما زالت الهند تواصل هذه العمليات حتى وصلت إلى تصنيف الدولة الثالثة بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين في مجال الاستمطار.

 

والآن يمكننا رصد أكثر من خمسين دولة على مستوى العالم تتبنى برامج الاستمطار الصناعي أو تلقيح السحب، من بينها دول عربية “الجزائر وليبيا والمغرب والعراق وسوريا”، ودول الخليج العربي “الإمارات العربية المتحدة والكويت والمملكة العربية السعودية” والأخيرة تعد واحدة من أكثر الدول جفافاً وشحاً في الأمطار، والتي استخدمت نفس التقنية عام 2020 للمساعدة على إتاحة فرصة أكبر لهطول الأمطار، كما قامت في التاسع والعشرين من أبريل 2022 -أي منذ بضعة أيام- بتنفيذ المرحلة الأولى من الاستمطار على ثلاث من مدنها “الرياض والقصيم وحائل”، واستمرت لمدة ثلاثة أيام لزيادة معدلات المطر، والحد من التصحر، وزيادة المعدلات الخضراء وفق رؤية 2030 للتنمية المستدامة وقمة الشرق الأوسط الأخضر.

 

ورغم أن تقنية الاستمطار تطورت الآن تطوراً مذهلاً، وينفق عليها مليارات سنوياً لتطويرها، إلا أن هناك نظريات ترى بأن الحكومات من خلال تلقيحها السحاب تتلاعب بالطقس من أجل السيطرة على الظروف المناخية المختلفة، بما فيها الإحتباس الحراري، والكثافة السكانية، واختبار الأسلحة العسكرية، والصحة العامة والفيضانات.

 

آراء المويدين لتقنية استمطار السحب

 

والآن، وبعد ما يزيد عن خمسة وسبعين عاماً من هذه التقنية، لا يزال العالم يقف حائراً بشأن آثارها على الإنسان والبيئة؛ الآراء تتضارب ما بين مؤيد ومعارض، المؤيدون لتقنية الاستمطار الصناعي يرون بأن الاستمطار ومن ثم التحكم بالطقس من شأنه تقليل آثار التغير المناخي والجفاف، الذي يعد أحد أسباب المجاعة في العالم، وهم يرون بأن هناك أكثر من 800 مليون شخص يعانون من تدهور الوضع الغذائي بسبب قلة المياه وعدم صلاحية الأراضي للزراعة، ومن ثم فإن الاستمطار الصناعي يساعد على إنتاج المزيد من المحاصيل وإحياء المناطق غير المؤهلة، إضافة إلى تقليل تلف المنتجات، وعليه سيكون له عائد اقتصادي من حيث بيع كميات وفيرة من المحاصيل الزراعية ذات الجودة العالية نتيجة لكثرة الأمطار، كما يرى المؤيدون أيضاً بأن تقنية الاستمطار سيكون لها عائد سياحي لأنها ستعمل على زيادة المناطق المرغوبة للسكن أو الزيارة بفضل تقنيات تعديل الطقس، التي ستلعب دوراً في جذب السياحة، وعليه يرون بأن هذه التقنية ستعمل على زيادة تدفق العملات الأجنبية للبلدان النامية، وتحسين مستوى معيشة السكان المحليين.

 

آراء المعارضين لاستمطار السحب

 

بينما يرد المعارضون لتقنية الاستمطار الصناعي بأن هذه التقنية مليئة بالسلبيات، فهم يرون بأن البلدان النامية لن تستطيع استخدامها بسبب التكلفة الباهظة لعملية الاستمطار، والتي لن تمكن الدول الضعيفة اقتصادياً من القيام بها، كما يرون أنها قد تسبب صراعات سياسية واقتصادية وبيئية بين الدول المجاورة لبعضها البعض، بحيث يتم استخدام الاستمطار كسلاح من أجل وفرة المياه في دولة ما بينما يسفر عن زيادة حدة الجفاف والقضاء على الزراعة في أراضى الدول المجاورة لها، ويرون بأن هذه التقنية يمكن لها أن تعمل على تغيير المناخ المحلي للدولة المستخدمة لها إلى حد كبير، فقد تؤدي إلى زيادة درجات حرارة الأرض أثناء النهار، وانخفاضها بشكل أكبر أثناء الليل، وأنه على ضوء استخدام مواد كيميائية فى عملية الاستمطار فإن هذه المواد قد تلحق ضررًا بالبيئة خاصة النباتات والحيوانات والبشر والثدييات الأخرى، علاوة على قتل أعداد كبيرة من الأسماك لأن مادة اليوديد تعتبر مادة سامة تقضي على الكائنات البحرية، ويرون بأن برامج الاستمطار التي تهدف إلى تعديل الطقس قد تؤدي إلى انقلاب على الأنماط المناخية الموجودة على الأرض، بمعنى أن المواقع الجغرافية الرطبة قد تواجه مغبة الجفاف بسبب انتشار المركبات الكيميائية في الغلاف الجوي، كما أن انبعاثاتها قد تسهم في تآكل طبقة الأوزون.

 

وتجدر الإشارة إلى أنه من المخاطر الأخرى للاستمطار أنه بمجرد اطلاق المواد الكيميائية في الغلاف الجوي، فلن تكون هناك قدرة بشرية قادرة على التحكم في نوع الطقس الذي سيتشكل، لذلك فمن المحتمل أن تؤدي عملية الاستمطار إلى فيضانات وليس مجرد أمطار، وتصبح الأمور أكثر تعقيداً إذا تساقطت كميات هائلة من المطر على مناطق بنيتها التحتية غير مؤهلة لمناخ مطير، وبالتالي فإنها معرضة لوقوع خسائر جسيمة في الممتلكات العامة والحقول الزراعية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى