حكايات صندوق جدتي
بقلم: الزهراء محمد سعيد
استيقظت رودينا وكلها حماس، كانت تريد أن تفتح الصندوق وترى الحكايات، لكنها وعدت جدتها أن تنهي كل واجباتها أولا ثم تفتح الصندوق قبل النوم. أمضت رودينا يومها وهي تجتهد وتلبي أوامر والدتها، كانت تنظر من النافذة تتمنى أن تغيب الشمس ويحل الظلام حتى تتمكن من فتح الصندوق، وحينما حان الوقت ذهبت رودينا لغرفة جدتها وطرقت الباب طرقات خفيفة فجاء صوت جدتها قائلة: تفضلي بالدخول.
أسرعت رودينا وفتحت الباب وركضت إلى جدتها، قابلتها الجدة بابتسامتها الطيبة وقالت: أرى الحماس في عينيك، إذن لن أدعك تنتظرين أكثر، أحضري الصندوق.
هرولت رودينا وأحضرت الصندوق فقالت الجدة: عندما تفتحينه سيأخذك إلى عالم خاص يروي لك حكاية من حكاياته ومع كل حكاية عبرة وموعظة ومتعة، وعندما تنتهي الحكاية ينغلق من جديد.
أومأت رودينا برأسها قائلة: حسنا ..حسنا، أيمكن أن أفتحه الآن.
ابتسمت الجدة وقالت: نعم، افتحيه وحلقي يا صغيرتي بجناحيك في عالمك الخاص.
فتحت رودينا الصندوق ونظرت إليه فوجدت نفسها داخله، انبعث نور قوي منه فأغمضت عينيها ثم نظرت فوجدت أمامها مكانا به أشجار عالية ونباتات وطيور، وفجأة تحدث إليها صوت تعرفه جيدا، إنه صوت جدتها تقول: هذه مملكة الحيوان، ونحن الآن في قرية السناجب، هيا لنرَ حكاية السنجاب اللص.
شعرت وكأنها انتقلت بعقلها إلى قرية السناجب، كانت بيوتها على هيئة أكواخ صغيرة تحفها الزهور وهناك الآلاف من الحقول ممتلئة بثمار البندق – إن السناجب تحب البندق كثيرا – كانت القرية هادئة وجميلة، تتحرك السناجب بذيلها كثيف الشعر ويتوجهون إلى حقول البندق يجمعونها في السلال وينقلونها إلى مبنى كبير لتخزينها، يتناولون منها ما يشبع جوعهم ثم بباقي البندق يحصلون على متطلباتهم من القرى المجاورة بالمقايضة، يبيعون البندق مقابل الخضروات أو غيرها من احتياجاتهم، لكن سنجوب المسؤول عن المخزن وجد عجزا في المحصول فتوجه إلى السنجاب الحاكم وقال له: لاحظت اختفاء ثمار البندق، هناك عجز في العدد، فقال السنجاب الحاكم: هل تأكدت من ذلك؟
قال: نعم، إنها ليست المرة الأولى، لكن تلك المرة العجز كبير. وقف السنجاب الحاكم وقال بحزن: من يجرؤ على ذلك؟! قال سنجوب: أكيد شخص يعمل بالمخزن؛ هم من يُسمح لهم بالدخول والخروج بحرية. فقال الحاكم: إنه اتهام خطير وبدون أدلة، علينا التحري جيدا ومراقبة العاملين.
فقال: أمرك نافذ، سأبدأ بالمراقبة.
مر يومان وسنجوب يراقب ولم يلاحظ أي شيء غريب، ومع ذلك ما زالت تنقص ثمار البندق فكاد يجن وذهب إلى الحاكم وأخبره فقال: لنلجأ إلى دودة القز الحكيمة.
حضرت دودة القز فأخبروها، مسحت دودة القز زجاج نظارتها وقالت: يجب أن يكون لدينا دليل، لدي فكرة ذكية. نظرا إليها في فضول فقالت: سوف نحضر ثمرة من البندق وندخل دودة قز بداخلها ونثقبها ثقبا صغيرا يسمح بخروج خيط الحرير الذي تصنعه الدودة، حينها نتتبع الخيط ونصل لمنزل اللص.
نظرا إليها في إعجاب وشرعا في تنفيذ فكرتها الذكية فوضعوا تلك البندقة في المخزن، وبالفعل توجه السنجاب اللص كعادته وسرق البندق، ولما بدأت دودة القز في صناعة خيط الحرير وإخراجه من الثقب ذهب سنجوب والحاكم ودودة القز الحكيمة وبعض أهل القرية من السناجب وتتبعوا الخيط فوجدوا أن ذلك اللص قد حفر نفقا تحت المخزن.
تتبع السناجب الخيط الممتد داخل النفق حتى انتهى الخيط في مخزن مليئ بكل ثمرات البندق المفقودة، أخرجوا دودة القز من البندقة وتساءلوا لمن هذا المخزن؟!
إنه مخزن سري تحت منزل السنجاب الأحمر الذي يعمل بالمخزن.
قبض السنجاب الحاكم على السنجاب اللص وكانت المحاكمة…..
لماذا سرقت البندق؟
قال السنجاب اللص: كنت أريد ان أحتفظ بكمية أكبر لي ولأسرتي كما أننا نحتاج الكثير من الفاكهة؛ لا يكفيني نصيبي لذلك سرقت.
فقال الحاكم: إن البندق يتم توزيعه بعدل وسرقتك للبندق هي تعدٍ على حقوق الآخرين، لا فرق بين سنجاب وآخر في قريتنا، كما أنك خنت محل عملك وخنت الأمانة.
فقاطعه اللص: هذا حقي، أريد المزيد و…..
قاطعه الحاكم في غضب: إنك بإصرارك وعدم ندمك لن تمنحنا سببا للرأفة بك، حمكنا عليك بالنفي خارج القرية، لن تدخلها أبدا وسنتحفظ على منزلك وأرضك.
صرخ السنجاب اللص: وأين أذهب؟
فقال الحاكم: انتهى، لا مكان هنا للخونة واللصوص، إن طمعك وعدم قناعتك قادوك إلى تلك النهاية.
خرج السنجاب اللص مطأطأ الرأس حزينا ونادما على ما كان وسط استياء كل أهل القرية من السناجب.
لا تطمع؛ فالقناعة كنز لا يفنى
وهنا انغلق باب الصندق واختفت قرية السناجب وعادت رودينا لتجد جدتها بجوارها، فقالت: يا لها من حكاية! إن قرية السناجب جميلة، ولكن السنجاب اللص يستحق ما حدث له.
فقالت الجدة: أتمنى أن تتذكري حكمة اليوم من القصة.
فردت رودينا: القناعة كنز لا يفنى، لا تطمع، وبرزقك فاقنع.
ابتسمت الجدة واحتضنت رودينا وقالت: هيا إلى النوم الآن.
فقالت رودينا: هل أستطيع أن أفتحه مرة واحدة الآن قبل أن أنام؟
قالت الجدة: هيا إلى النوم، غدا إن شاء الله نفتحه وتستمتعين بحكاية جديدة من حكايات صندوق جدتي.
حكايات صندوق جدتي.